في الفترة من ١٧ إلى ٢١ يونيو ٢٠٢٥، شارك المركز المسيحي الإسلامي للتفاهم والشراكة في منتدى مؤسسة آنا ليند (ALForum ٢٠٢٥) الذي أُقيم في مدينة تيرانا، عاصمة ألبانيا.
وقد مثّل المركز في هذا المنتدى أ. كريم جرجس، مدير الشراكات الدولية والتواصل، الذي تمت دعوته كمتحدث في جلسة نقاشية بعنوان:
“بناء جسور التفاهم بين المجتمعات الدينية: التعليم بين ابتباع الأديان والتعاون من أجل مجتمعات شاملة.”
جمعت الجلسة نخبة من الأكاديميين والممارسين لاستكشاف الدور الحاسم لبرامج التعليم بين اتباع الأديان في تعزيز التماسك الاجتماعي، والشمول وقيم الديمقراطية في منطقة الأورو-متوسط. وتطرقت النقاشات إلى التحديات المنهجية والفرص المتاحة ضمن التعليم الرسمي، وتدريب المعلمين، وبناء السلام المجتمعي، وابتكار الإعلام، والسياسات العامة.
قدم أ. كريم رؤى مستمدة من مبادرات المركز في التعليم والعمل الميداني بين اتباع الأديان، مثل برنامج “رحلة التعلم”، مسلطًا الضوء على أن نظم التعليم بين اتباع الأديان يمكن أن تكون أدوات تحوّلية قوية تساهم في “إنسنة الآخر” من خلال بناء صداقات بين أتباع الأديان المختلفة، وتعزيز الثقافة الدينية، وتفكيك الأحكام المسبقة، وترسيخ القيم الديمقراطية التعددية والشاملة والسلمية، شرط توفر الإمكانيات والموارد المناسبة.
وقد دعا إلى تبني نهج طويل الأجل يركز على الإنصاف واحترام الحقوق ويعترف بالقوة التحولية للتعاون بين اتباع الأديان.
وفي مداخلته حول كيفية دعم الاتحاد الأوروبي للتعاون بين اتباع الأديان في المنطقة الأورو-متوسطية، دعا أ. كريم إلى أن تشمل السياسات الأوروبية توسيع الاستثمارات في المجتمع المدني، وزيادة الاستثمارات في السياسات العامة الحكومية التي تهدف إلى إصلاحات جذرية تعالج أسباب التطرف، والتعصب، والتميز.
وقال:
“ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتجاوز معالجة الأعراض، وأن يلتزم فعليًا بمواجهة الأسباب الجذرية للتحديات المجتمعية، مثل الفقر البنيوي، والعنصرية، وانعدام المساواة، إلى جانب توسيع فرص التعليم الشامل والعمل الكريم. باختصار، يجب على الاتحاد أن يزيد استثماراته لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها للجميع. فرغم أهمية دعم المجتمع المدني، إلا أن ذلك غير كافٍ ما لم يكن جزءًا من سياسات عامة جادة وطويلة المدى وعلى نطاق واسع تعالج جذور التعصب والتمييز.”
كما تطرّق إلى الفجوة بين خطاب الاتحاد الأوروبي وممارساته في المنطقة، مشيرًا إلى:
“كثيرون في الشرق الأوسط ينظرون إلى السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي على أنها لا تنسجم مع القيم المُعلنة حول حقوق الإنسان وبناء السلام، وهو ما يُضعف الثقة والمصداقية، ويُعيق التعاون. فالاتساق في تطبيق القوانين والمبادئ هو أساس الثقة، والثقة هي أساس التعاون. وإذا شعر الناس بأن الاتحاد الأوروبي يتصرف بازدواجية، فسيفقدون الثقة به، وبالتالي لن يتعاونوا معه.”
أكد أ. كريم على ضرورة اتساق السياسات الأوروبية بحيث تعكس المبادئ المعلنة في ممارساتها داخليًا وخارجيًا.
شارك في الجلسة إلى جانب أ. كريم كل من:
-
الأستاذ الدكتور عبد الناصر صلح، أستاذ جامعي ورئيس جمعية النشاط التنموي (DAA)، لبنان
-
السيدة ليفيا غراسيلي، مديرة المشاريع الأوروبية والدولية في “كاسكو للتعلم – Ecole Società Cooperativa Sociale ETS”
-
وأدارت الجلسة السيدة سارة كنالي، مرشحة لنيل الدكتوراه في جامعة غينت وجامعة الأمم المتحدة (UNU-CRIS)
وقد قدمت الجلسة استراتيجيات عملية لإدماج الحوار بين اتباع الأديان في نظم التعليم والحكم والثقافة، بما يتماشى مع أهداف منتدى ٢٠٢٥ لتحويل المعرفة إلى فعل ملموس.
منتدى استثنائي للحوار بين الثقافات
شهد منتدى مؤسسة آنا ليند لهذا العام مناسبتين تاريخيتين:
-
الذكرى العشرون لتأسيس مؤسسة آنا ليند
-
الذكرى الثلاثون للشراكة الأورو-متوسطية (عملية برشلونة)
وقد نُظم المنتدى بالتعاون بين المؤسسة ووزارة أوروبا والشؤون الخارجية في ألبانيا وبلدية تيرانا، بمشاركة أكثر من ٨٠٠ مشارك من ٤٣ دولة.
وللأسف، لم يتمكن نحو ٢٠٠ شخص من حضور المنتدى بسبب الحرب في منطقة الشرق الأوسط في تلك الفترة.
وتزامن هذا الحدث أيضًا مع إعلان مدينة تيرانا ومدينة الإسكندرية المصرية كعاصمتين للثقافة والحوار في البحر الأبيض المتوسط لعام ٢٠٢٥.
عُقد المنتدى تحت شعار:
“من المعرفة إلى العمل: إعادة تعريف الحوار في المنطقة الأورو-متوسطية”،
وقد ركّز على قوة الحوار كأداة للصمود والابتكار والتحول الإقليمي.
وفي كلمتها الافتتاحية، أكدت صاحبة السمو الملكي الأميرة ريم علي، رئيسة مؤسسة آنا ليند، على أهمية التعاون بين الثقافات، قائلة إن مستقبلنا بات مرتبطًا بمستقبل المنطقة الأورو-متوسطية، وأن الحوار ليس خيارًا، بل هو الطريق الوحيد للمضي قدمًا. وأشارت إلى أننا نعيد تعريف الحوار، لا كمجرد تبادل للأحاديث، بل كقوة دافعة تُحرّك المنطقة نحو مستقبل أفضل.
ومن أبرز المتحدثين في المنتدى:
-
دولة السيد إيدي راما، رئيس وزراء ألبانيا
-
السيد ستيفانو سانّينو، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج، المفوضية الأوروبية
-
السيد جوزيب فيري، المدير التنفيذي لمؤسسة آنا ليند
-
معالي السيد ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات
-
السيد جورج باباندريو، رئيس وزراء اليونان الأسبق
-
الدكتور إيجيمان باغيش، الوزير السابق لشؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا وعضو المجلس الاستشاري الرفيع لتحالف الحضارات
-
السيد ملادن إيفانيتش، الرئيس الأسبق للبوسنة والهرسك
رؤية للمستقبل
لم يكن منتدى ٢٠٢٥ مجرد استعراض لعشرين عامًا من الحوار بين ضفتي المتوسط، بل كان دعوة لإعادة تخيّل مستقبل التعاون بين اتباع الأديان والثقافات والدول.
فمن خلال جلسات قائمة على الأدلة العلمية، وسياسات عملية، وتجارب ثقافية موحدة، أعاد المنتدى التأكيد على القناعة الأساسية بأن الحوار الشامل ضروري لتحقيق السلام والعدالة والازدهار المشترك.
وقد عكست مشاركة السيد كريم جرجس التزام المركز المسيحي الإسلامي للتفاهم والشراكة بترسيخ التفاهم المتبادل وتعزيز السياسات الشاملة القائمة على التعاون بين اتباع الأديان في مصر وخارجه.
حول مؤسسة آنا ليند (ALF)
تأسست مؤسسة آنا ليند عام ٢٠٠٥ انطلاقًا من رؤية عملية برشلونة التي أُطلقت عام ١٩٩٥ وشكّلت تحوّلًا جوهريًا في العلاقات بين ضفتي المتوسط.
جمعت هذه المبادرة للمرة الأولى الاتحاد الأوروبي و١٢ دولة من جنوب وشرق المتوسط في مؤتمر أورو-متوسطي هدفه إنشاء فضاء مشترك للسلام والاستقرار والازدهار والحوار بين الثقافات والحضارات.
ويقع مقر المؤسسة في مدينة الإسكندرية بمصر، وتعمل كمنظمة حكومية دولية تجمع منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات، والحكومات، وصناع التغيير في منطقة الأورو-متوسط.
ومن خلال برامجها ومبادراتها المتنوعة، تُوفّر المؤسسة مساحات للقاء والتعلم والتعاون حول قضايا محورية.
وعبر تبادل المعرفة والخبرات، تُنشئ المؤسسة شبكات مؤثرة تُحوّل الحوار إلى عمل، وتخلق تأثيرًا واسع النطاق يمكّن الأفراد والمجتمعات، ويُنشر التغيير الإيجابي في منطقة يُحتفى فيها بالتنوع ويُحترم فيها صوت الجميع.
وقد سُمّيت المؤسسة على اسم آنا ليند، وزيرة خارجية السويد التي اغتيلت عام ٢٠٠٣، حيث اقترحت مصر إطلاق اسمها خلال اجتماع في ٢٥ سبتمبر ٢٠٠٣.